الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده
يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك سبحانك لا نحصي ثناء
عليك أنت كما أثنيت على نفسك فلك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك
الحمد بعد الرّضا اللهمّ صلّي على سيّدنا مُحمّد وعلى آل بيته وأصحابه
وتابعيهم والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدّين، في فاتحة هذه المجالس
المباركة نتذاكر معا عن المقصود من هذه المدارس.
يقول رب العزة سبحانه وتعالى : بسم الله الرّحمن الرّحيم ” من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحورا ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا “
تأملوا هنا يقول الله سبحانه وتعالى ” من كان يريد “، الكلام هنا عن الإرادة.. (من كان يريد العاجلة)، ثم يقول سبحانه وتعالى (ومن أراد الآخرة)
مصيرنا جميعاً في هذا الوجود ارتبط إذاً بما نريد.. أحوالنا مآلاتنا
سعادتنا أو الشقاوة الرضا أو الغضب الفلاح أو الخيبة كلها يتصل بما يريده
الواحد منا في هذه الحياة ..هذا التقسيم الّذي جعله الله عزّ وجلّ فارقا
بين السعادة والشقاوة بين الجنة والنار بين الرّضا والغضب ارتبط بما يريده
كلّ منّا من حياته وجعل الله سبحانه وتعالى مجرد إرادة الدنيا سبباً في
حصول الخسران وحصول العذاب والغضب (مجرد إرادة الدنيا) ثم جعل إرادة الآخرة
مقرونة بالسعي الذي يترتب على هذه الإرادة ..
ماهي الدنيا !! وأين هي الآخرة منها ؟
منذ زمن ونحن نسمع الحديث عن إرادة الدّنيا.. الدّنيا.. الدّنيا.. أهل الدّنيا وأهل الآخرة.. ما المقصود بالدنيا الّتي يُتحدّث عنها بأنّ إرادتها…من عاش وهو يريد من عيشه الّذي يعيشة هنا أن يتحصّل فقط على الدّنيا؟
وما هو المقصود بكلمة الدنيا المذمومة هل هي الطعام والشراب اللباس هل هي
المركب الذي يركبه أحدنا سيارة أو طيارة المنزل أو الأثاث المال الذي يحصله
هل حصول هذه الأشياء يجعل أحدنا مريداً للدنيا فيكون بذلك متعرضاً للغضب؟ ،
الآخرة ما المقصود من إرادة الآخرة؟ هل المقصود من إرادة الآخرة أن لا
يكون لنا نصيباً بالدنيا أو صلة قط؟
هذه معان يترتب عليها منهج حياة نعيشه
يترتب عليها شيء يسمى السّير إلى الله سبحانه وتعالى في هذه المجالس سيكون
حديثنا عن السّير إلى الله، عن إرادة السّير إلى الله حول إرادة الوصول إلى
الله حول إرادة نيل رضوان الله حول إرادة الآخرة على حقيقتها وكل في هذا
الوجود مريد إمّا أن يكون مريدا للدنيا منقطعا بها لها وإمّا أن يكون مريدا
للّه للوصول إلى الله ورضوان الله.
نستعرض ما سيكون في مجالسنا المقبلة من
تسلسل في قرع أبواب التّعرّف على معنة الوصول إلى الله كيف نصل على الله
عزّ وجلّ؟ كيف ننال رضوانه؟ دعونا نفهم أو نتفهّم المقصود من ضدّ ذلك… من
الشيء الّذي نهانا الله عنه… إراذة الدنيا.
ما المقصود من إرادة الدّنيا؟ الّتي وصل
التّحذير منها إلى الحدّ الّذي ينذر الله عز وجلّ العبد فيه أنّه بمُجرّد
أن يريد الدّنيا أن يصبح مريدا للدّنيا فهو مذموم… فهو في النّار… فهو
مبعد. ما المقصوج هنا بالدّنيا؟
يقول العلماء : الدنيا هي (كل ما وجد على
هذه الأرض في هذا العالم مما تتناوله يد الإنسان) ، وما دام الأمر يتعلق
بما يريده الإنسان مما يتعلق بحياته في هذه الأرض فأين وجه الذّم أن يتعلّق
قلبك بأنّك تريد أن تلبس؟ أن تأكل؟ أن تشرب؟ أن تنال سيّارة تركبها؟وهذا
الأمر ناله ساداتنا الصحابة بما يتناسب مع ذواتهم ركبوا الدواب ولبسوا
الثياب وأكلوا الطعام التابعون تابعوا التابعين أكابر الصالحين والصالحات
من الأمة عاشوا هذه الحياة، فأين وجه الذنب؟
المقصود بالمذموم من إرادة الدنيا:
بالخطر في إرادة الدنيا أمران.. الأمر الأول: تعلق القلب والأمر الثاني: انشغال الجسد بما تعلق به القلب..
الأمر الأول:- تعلّق القلب – بمعنى أن يعيش الإنسان في هذه الحياة وليس له
مقصود.. ليس له هدف إلا أن يتمتع فقط بهذه الدنيا، إلا أن يعيش لها ثم
يترتب على هذا أنّ وقته جهده فكره ماله الجسد موظف لهذا المقصد ،هنا تأتي
الإشكالية ماذا يحتاج الإنسان من هذه الدنيا .
حقيقة مايحتاجه الإنسان في حياته
س: ما هو الأمر الذي يجعل الإنسان يشغل وقته؟ يشغل فكره؟ يشغل جهده في هذه الحياة التي يعيشها؟
قالوا حقيقة ما يحتاجه الإنسان: طعام يقوى
به بدنه على الحياة، لباس يستر عورته يكنه من البرد، مسكن يأوي إليه هو ومن
معه؛ حقيقة ما يحتاجه كل إنسان في هذه الدّنيا – مسلم، كافر، كبير، صغير،
رجل، امرأة، عاقل، ضدّ العقل: مجنون- كلّ إنسان في هذه الحياة يحتاج إلى ثلاثة أشياء من هذه الدّنيا : طعام يقوى به جسده في الحياة، مأوى يؤويه، يضمّه، ثياب تستره.
لمّا كانت هذه هي الأساسيّات لكلّ ما
يحتاجه الإنسان من الدّنيا، ترتّب على هذه الأساسيّات أنّ عقل الإنسان وفكر
الإنسان منذ زمن قديم انسغل بما يترتب عن هذه الثلاثة أشياء : الطّعام
جعله يفكّر في الزّراعة جعله يفكر في الصيد، في الرعاية… رعاية الغنم،
الماشية، اللباس جعله يفكر في الغزل في النسيج فيما تطوّر بعد ذلك وتحوّل
إلى مؤسّسات وشركات وخياطة وتسويق ومحلات للألبسة… هذا تطور متأخر. السكن
جعله يحتاج إلى صناعة، إلى عمالة. هذه المتطلبات الّتي يحتاجها الإنسان قد
توسعت قليلا جعلت الإنسان يحتاج إلى علاقة بينه وبين الإنسان الآخر ليحصّل
هذه الأشياء الّتي يريدها الإنسان من الحياة. جعلت الإنسان يفكر : أنا
أحتاج أن أتعامل مع المزارع إن لم أكن مزارعا.. أحتاج أتعامل مع الخياط إذا
لم أخط بنفسي أحتاج أن أتعامل مع البناء، الآن مع المهندسين، مع الشّركات
مع المقاولات…
تطور العلاقات بين البشر وحاجاتهم
ترتّب على هذه الحاجة علاقات بين البشر…
هذه العلاقات بطبيعة البشرية حصل بسببها اختلافات في وجهات النظر وتوافقات
في وجهات النظر. هذه الاختلافات تطورت بين البشر، تحولت أحيانا إلى نزاعات
فيما بينهم إلى خصومات. تحولت بعد ذلك إلى قتال… بعض القبائل يتقاتل مع
بعضها البعض من أجل قطعة الأرض الّتي يزرعونها… أو أصحاب المواشي وهذا إلى
اليوم في القرن الخامس عشر الهجري أو الواحد والعشرين الميلادي يتقاتل أناس
على رعي مواشيهم في أماكن متعلّقة بالزراعة. تطوّرت أكثر اليوم يتكلّمون
عن أزمة المياه، عن أزمة الغذاء تطورت المسألة أصبحت محلّ نزاع بين البشر.
هذا النّزاع بين البشر وتصاعد الاختلافات بين البشر ترتّب عليه حاجة جديدة
متعلّقة بالدّنيا وهي حل هذه النّزاعات، تسوية النّزاعات. ترتّب عن ذلك
قوانين، قضاء، حكومات، ترّتب على ذلك نظم يعيشها البشر مع بعضهم البعض. هذه
تطوّرات. هذه التّطوّرات أثّرت في نفس الإنسان. في نفسي أنا في نفسكِ
أنتِ، في نفسكَ أنت. ترتّب عن هذه التّطوّرات أن القلب صار ينشغل، العقل
صار ينشغل بالتّفكير، بالتّدبير. كيف أنال هذا وأحصل على ذاك؟ كيف التّاجر
الفلاني لا يغشّني في البضاعة؟ التّاجر كيف أنتزع المال أكثر؟ صار الإنسان
تمرّ عليه أوقاته وقلبه معلّق بشؤون الحياة ومعافسة الخلافات بين البشر…
على ماذا؟ على هذه الدنيا. نشأ في ذلك شيء في القلوب، نشأ في القلوب شيء
اسمه الكراهية بين النّاس. الكراهيّة تطوّرت نشأ بسببها شيء اسمه الحسد صار
هذا يحسد الآخر لماذا عنده ؟ لماذا استطاع أن ينتزع مني كذا وكذا؟ الحسد
رافقه اشكال آخر وهو الكبر : شعور الّذي يتقن تجاه الّذي لا يتقن.. الّذي
صار عنده حصيلة كبيرة من المال صار يشعر أنه أقوى وأقدر وأعظم وأجلّ من
الّذي ليس عنده هذا لمال. الّذي استطاع أن يجنّد مجموعة من البشر حواليه
صار يشعر أنّ له الفضل على غيره… صار يتكبر على الآخر … صار يحصل فبي نفس
الإنسان شيء اسمه العجب. الشّعور بالذّات، بتفكيري بعقلي، بتدبيري، بدأت
أمولا تترتّب في نفوس البشر بناء على صلتهم بهذه الدّنيا.
أيضا، نفوس البشر لمّا بدأت تتمتع وتتلذّذ بالدّنيا الّتي تتحصّل عليها…
كانت المسألة كيف أجد طعاما حتّى أستمرّ في الحياة.. طعام تقوم عليه حياتي…
لباس يسترني يقيني من البرد… بيت يؤويني أنا وأهل بيتي. تطوّرت المسألة
أكثر. صارت ألوان الطّعام وخيرات… وأصبح الإنسان يميل بتشهّيه… نفسه تشتهي…
تريد هذا النّوع من الطّعام، ثمّ إذا رأى غيره من النّاس استطاع أن يستحدث
نوعا آخر من الطّعام مدّ عينه إلى الّذي في يد غيره… أصبح يشتهي ما عند
غيره. أصبح حظ النّفس وهو التّلذّذ بهذا الأمر..
الثياب.. تطوّرت من شيء يستر العورة ، يستر جسد الإنسان يميّز الانسان عن
الحيوان تحولت من شيء يكسور الانسان يكنه من البرد إلى نوع من النظر إلى ما
عند الآخرين.. فلانة لبست ثوبا شكله كذا اختلف عن الثوب الّذب عندي. فلان
صار الغطاء الذي يلبسه، الثوب أو البنطال الذي يلبسه شكله كذا ثم صارت
شركات تصدر لنا أنواعا من الملابس، هذه الانواع من الملابس صارت بسببها
العقول والقلوب تنشغل بتمتع بهيئة من اللباس أكثر.
صارت بسبب ذلك أوهام في عقول الناس صارت الناس في تفكر قيمة فلان كبيرة
لماذا؟ يلبس من الشركة الفولانية الّتي تصنع كذا وكذا… فلانة ما شاء الله
حضرت في ثوب مبهر في ثوب في المناسبة الفلانيّة ثمّ رأتها في المناسية
الثانية لبست ثوبا يبهر أكثر من الثوب الذي قبله ترتب عن ذلك ماذا؟ صارت
هناك اعتبارات بين البشر . صارت منازل البشر بينهم البين ترتبط بماذا؟ بما
كان في الأصل حاجة يحتاجها الانسان..
كان الانسان محتاجا إلى مسكن يؤويه، صار يأوي إلى المسكن ثم بدأ يفكر أكثر
أريد تعدّد الحجرات، ثمّ أريد مكانا للضيوف ثمّ أريد حديقة في داخل منزلي
أتنزّه إذا نظرت إليها ثمّ أريد بركة نغتسل فيها أنا وأولادي… تسبح فيها،
وبدأت المسألة تتوسّع… ثمّ شكل البيت ومنظر البيت، لا أريد رخاما من نوع
كذا، ما يسمى اليوم بالديكور أو هيأة البيت تطوّرت المسائل وبدأت تؤثّر في
ماذا؟ في اعتباراتنا نحن كبشر، في نفوسنا، في تعاملاتنا..
الإشكال ليس في الرخام ليس في نوع البيت سواء كان من الطين أو من الحجر أو
من الرخام أو من الاسمنت… الإشكال ليس في الثياب لونها أخضر أو أحمر أو من
قماش من صوف كذا أو قطن كذا أو من شركة كذا … ليس في طعام، هذا ألذّ أو ذاك
ألذّ.. الإشكال في تفاعلي أنا مع هذا..
* تعالوا بنا نتأمّل : أكبر مشاكل العصر الّتي يعيشها النّاس اليوم انبنت على ماذا، أكبر الحروب التي أهرقت فيها الدماء اليوم في الأرض ما أصلها؟
ما مبناها إذا فتشنا ورجعنا إلى الوراء
قليلاً؟ النزاعات الشديدة بين الناس اليوم التي يعيشوها الناس، النزاعات
بين الدول، بين الشعب الواحد في الدولة الواحدة، بين المجتمع أصحاب الحيّ
الواحد، بين الأقارب والأرحام وقطيعة الرحم وما يترتب عليها، بين العاملين
في المجال الواحد، تعالوا في البيت الواحد في الأسرة الواحدة، مشاكل
الأزواج والزوجات، مشاكل نسبة الطلاق التي يتكلمون عنها اليوم مشاكل تشتت
الأسر ضياع الأبناء، هذه الإشكالات الكبيرة، لو بدأنا بهدوء نتأمّلها،
توافقوني أننا سنرجع في نهاية اليوم إلى أن الإشكالات الضخمة والكبيرة
والعالمية والمحلية والاجتماعية و الاقتصادية والأسرية ومشكلة كل واحد منكم
لو فكر سنجد أن المشاكل هذه ترجع إلى :
نفس الإنسان السعادة والشقاوة الفلاح والخيبة الرضا والغضب الحزن والفرح
الراحة والطمأنينة أو ضدها الإنزعاج والبؤس مرجع ذلك كله إلى نفس الإنسان
ولهذا لما أقسم الله بمظاهر الوجود الشمس والقمر والليل والنهار والسماء
والأرض جعل منتهى الأقسام كلها القسم بالإنسان ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها “ما الّذي ترتب عن هذا القسم؟ ما جواب القسم هنا ” قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها
” . تتكلمون عن سعادة ؟ عن فلاح في الدنيا والآخرة؟ تتكلمون عن خيبة؟
تتكلمون عن ماذا؟ المسألة فيكم أنتم في أنفسكم لهذا نحن بحاجة إلى أن نجلس
مع بعضنا البعض نتأمل ونتفكر في سيرنا إلى الله ..
من أين تختلف نظرتنا للدنيا ؟
*
فرق كبير بين من يأخذ اللقمة وهو يريد من هذه اللقمة أن يحافظ على أمانة
الجسد الذي ائتمنه الله عزوجل عليه للحفاظ على هذه الأمانة.. ما نتشهّى ما
نتمتّع؟ تشهى تمتع لكن وأنت تتشهى تنوي عند أكلك لهذه اللقمة الطيبة التي
ساقها الله لك أن تستخرج معنى الحمد من قلبك ،
* قصة
: يذكرون أن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه لما سئل أتشرب
الماء المبرد أم غير المبرد كان بعض المتزهدين في عصره يتجنبون شرب الماء
المبرد قال علي بن أبى طالب بل أشرب المبرد قال لمَ يا أمير المؤمنين قال
لأنه يستخرج الحمد من صميم القلب ..
قال أنت في شدّة الحر ّ والصّيف أو تكون صائما وجاء وقت الإفطار عندما يأتي
ماء فيه شيء من البرودة مع شدة القيظ والحرارة وتشرب الماء هذا الّذي فيه
برودة كيف تشكر الله؟ الحمد لله (من القلب) تخرج الحمد من صميم القلب لو
كان الماء فاترا أو باردا .. الحمد لله (بفتور) قال أستخرج الشكر من صميم
قلبي ..
المسألة ترجع للإرادة
بين الذي يأكل طعاماً أو يشرب شرابا أو يلبس لباساً ونيته من هذا الحلال
الذي أخذ به أن يستخرج معنى الشكر لله من قلبه أن يمتثل أمر الله بأنه حافظ
على الأمانة، هذا ماذا أراد من الطعام واللباس والشراب ما مراده هنا هو
مريد؟ أراد الله أراد رضوانه؟، وشخص آخر أكل نفس الأكلة الّتي أكلها، نفس
اللباس نفس مستوى السكن الذي يسكن فيه الآخر لكن ما مراده من الطعام من
اللباس من البيت أراد بذلك مجرد التمتع ليس له هدف آخر بل أن يعيش هذه
الدنيا.هو مقصور في نظرته هو أن يتمتع ..
س: ما الخطورة.. ما الإشكال في أن الإنسان يريد أن يتمتع من هذه الحياة فقط؟
ليس الإشكال بأن يتمتع بل الإشكال أن يعيش
يفرط في أمانة الهدف الذي خلق من أجله وأصبح ليس له هدف من هذه الحياة إلا
أن يتمتع بالدنيا، ما الضرر … الضرر ما ذكرناه اليوم من الخراب الذي يعيشه
العالم من إهدار لمقدرات الأرض التي نعيشها من تباغض من تحاسد من حرب
مرجعه سببه أساسه أن الذين تناولوا الدنيا تناولوها فقط من أجل أنفسهم..
النفس فيها مشكلة فيها عيب خطير أن الإنسان إذا تعامل مع متع النفس
ومطالبها فقط لأنه يستجيب لما تريده النفس يقع في مشكلتين كبيرتين:
المشكلة الأولى أن
مرادات النفس لا تنتهي هي تطلب شيء أعطيتها فقط لأنها طلبت امتثالاً لأمرها
ما الذي يترتب على ذلك أن لن تكتفي طلبت شيء ثاني أعطيتها الثاني تطلب
الشيء الثالث أعطيتها الثالث طلبت الرابع ثم تصل إلى مستوى تفقد فيه هي
التمتع في الشيء الذي كانت تتلذذ به فتطلب شيء خارج عن إطار المعقول خارجاً
عن إطار المرضي تطلب شيئا خارقا لإطار العادة..
ما اللّذي يجعل بعض النّاس يخرج إلى
التّدليس؟ إلى الغشّ إلى الرّبا. إلى المخالفة؟ إلى الإساءة إلى الآخرين
إلى ظلم النّاس لأجل أن يحصّل المال؟ ما اللّذي يجعله يفعل ذلك؟ اسنجابة
إلى أنّ نفسه اشتهت زيادة فهو يستجيب إلى شهوة نفسه إمّا في طعام وشراب
ولباس أو التّكاثر في المال ” ألهاكم التّكاثر ” الرغبة في الزيادة،
فالمشكلة أنك مهما حاولت ترضيها لا ترضى مهما حاولت أن تمتعها تطلب
المزيد.. إن الهوى ماتولى يعم أو يصمِ ..
المشكلة الثانية
في النفس أنك كلما أرد أن ترضيها سعدت سعادة مؤقتة ثم بعد ذلك تضمحل هذه
السعادة مباشرة تنتهي .. تنتهي في الدنيا قبل الآخر يأتي وقت وتنتهي لأنها
تعلقت في سعادة أخرى دائماً السعادة في النفس سراب لا منتهى لها لا تصل إلى
حقيقة ، بينما الذي ينتقل من مراد الدنيا إمن أن يكون مريدا للّدنيا إلى
أن يكون مريدا إلى الآخرة مريداً لله عز وجل، يتمتّع، هو يتمتّع، يأكل
طعاما؟ يأكل طعاما… وأنواعا من الطعام. يلبس من أحسن ما يلبسه النّاس إن
تيسّر أن يلبس، يركب المركوب الحسن.. يركب… يسكن المسكن الحسن… يسكن..
ما الفرق بين الاثنين؟
1. الفرق في الدّنيا أنّ هذا
سيتمتّع متعة حقيقيّة لأنّ نفسه عندما تأخذ حظّها من المتعة إذا تلذذ
بالطعام هذا بالأكل الذي أكله قال الحمد لله الذي رزقني هذا الطعام شهد
المنة لله فوصل أنسه وفرحه ومتعته بالله المتعة باقية عنده ما انتهت في
حياته وبعد حياته في الآخرة ستبقى سيرى ثمرة الحمد عند وقوفه بين يدي الله
انك حمدتني وشكرتني وذكرتني هذا ثوابك (لإن شكرتم لأزيدنّكم)،سيتمتع في الدنيا وسيتمتّع في الآخرة .
2. أنه سيكون مالكاً لزمام نفسه ولن
يكون مملوكاً لنفسه تنبه لهذه المسألة الذي يعيش وهو يتناول متع الدنيا
المباحة ولكن وهو مريد لله وليس للدنيا يعيش قوياً بالله مالكاً لنفسه وليس
مملوكاً لها ، لو بدأت النفس تزيغ تطلب شيء ليس له لا يجوز أن يأخذه ليس
من ملكه ليس من قدره ليس من استطاعته وبدأت تزين له طيب ممكن تسرق ممكن تغش
تخدع يقول لا هذا لا يرضي الله أنا مريد الله أنا ما أخذت المسألة لمجرد
متعة أنا أخذتها طلباً لرضوان الله وهذا لا يرضي الله إذاً لا أعطيك هذا
يبدأ يقول لنفسه لا وإذا قال لنفسه لا خضعت هذه النفس تنازع في البداية .
سننصرف من هذا المجلس
وسيأتي كلام إن شاء الله عن منازعة النّفس
ومجاهدتها في المجالس المقبلة لكن في النّهاية النفس تخضع. وإذا خضعت
النّفس بدأ هو الّذي يوجه نفسه بأمر الله فأصبح في حياته في أيّامه في
لياليه في انشغال قلبه في تفكيره في همته في مراداته متوجها إلى الله.. صار
متوجها إلى الله الأيام والليالي تزيده قربا من الله.. ازداد قربا من
الله.. ازداد تمكنا في التعامل مع هذه الحياة تأتي ساعة الوفاء الّتي لا شك
ستأتي قريبا أو بعيدا… تأتس وهو متهيئ لرضوان الله عزّ وجل الاكبر ويعيش
هذا المعنى ولهذا مقصودنا من هذه المجالس أن نعيش معنى إرادة الوصول إلى
الله عزّ وجلّ وحتّى نبحر في هذا الطريق في هذا السفر لإرادة الوصول إلى
الله سنمر بمحطات نحتاج ولا أن نعيس الباعث أن نعيش الدّافع الهمة التي
تدفعنا إلى الله عز وجل.. سيأتي حديث عن الباعث كيف نحصّل هذه الهمة الرغبة
في السير إلى الله كيف نحافظ عليها كيف تقوى عندنا كيف نستجيب لها ثم يعد
ذلك إذا أقبلنا بدافع بهمة للسير إلى الله سنجد أن أول مشكلة تقابلنا
ذنوبنا معاصينا السابقة أخطاؤنا مع الله ومع الخلق سنحتاج إلى التوبة سيأتي
الحديث عن التوبة وتحقيقها بإذن الله ثم إذا تاب الإنسان وأقبل على الله
سيجد أن أهم شيء عنده هو قلبه وسيجد أن القلب قد أصيب بسبب المعاصي الماضية
الأحوال الماضية بالأمراض هذه الأمراض تحتاج إلى تطهير… عندنا الحسد عندنا
الرّياء عندنا الكبر… سيأتي حديث عن تطهير القلوب من أمراضها. ثم إذا رغب
أحدنا في تطهير قلبه سيفاجأ بأن أعماله الّتي يكتسبها الجوارح البصر السمع
النطق تلوث القلب إذا لم يضبطها فسنجد أننا بحاجة إلى ضبط جوارحنا أعمالنا
حركاتنا سكناتنا كيف نستقيم على الطاعة في ذلك كله ثم اذا استقامت الاعضاء
على الطاعة وتخلصنا من أمهات المعاصي شعرنا بحاجتنا إلى الحفاظ على هذه
الطهارة سيأتي الكلام عن طهارة الظواهر وطهارة البواطن.
سيأتي الكلام عن حاجتنا إلى العبادة الّتي
هي الأصل، تصحيح الفرائض كيف نصححها على أحسن حال على أحسن استقامة كيف
يكون حضور قلوبنا مع الله… نصيبنا من الذكر نصيبنا من الجمعة والجماعة ما
هي الوساوس التي قد تأتي علينا أثناء الطريق من وسوسة الشيطان لن يتركنا
نسير إلى الله دون إشكالات سيأتي الكلام عن مداخل الشيطان وكيف نواجهها،
كيف نتخلص منها… سيأتي الحديث عن الخواطر الّتي تخطر على قلوبنا… خاطر
الصواب أو الخطأ هل هو نوراني أو ظلمانيّ هل هذا الخاطر من الشيطان أو من
الرحمن هل هو نصيحة من الملائكة أم أنه من حديث النفس الأمارة بالسوء.
سيأتي الحديث بعد ذلك عن أهمية الفكر إعمال الفكر فيما يقرب إلى الله عز
وجل. سيأتي الكلام أيضا عمّا يحصل لنا أثناء السير إلى الله من ملامح تدل
على الرضا : هذا يرى رؤية صالحة هذا يواجهه الله سبحانه بمعنى هذا يجري
الله على يديه شيئا من التيسير كرامة من الكرامات كيف نتعامل مع ذلك كيف لا
نفتن أثناء الطريق بمثل هذه الأمور الّتي تأتي سنأتي إلى حديث نحتاج فيه
إلى معرفة مراتب النفس ومعارجها كيف ترتقي مراتب النفس الثمانية من الأمارة
بالسوء إلى النفس الكاملة كيف تترقى أنفسنا في سيرها إلى الله ثم بعد ذلك
أحوالنا مع الفقر والغنى الّذي وجد كيف يتعامل والّذي فقد كيف ستعامل
احوالنا مع الخلق المنزلة مع الناس إقبالهم وإعراضهم مع الالتفاتات التي
تأخذنا يمنة ويسرة أثناء طريقنا إلى الله عز وجل ثم ينتهي بنا الكلام إلى
حاجتنا إلى مجالسة الصالحين إلى المرشد الذي يعين ويأخذ بيده ليدله إلى
الله عز وجل وستكون خاتمة المجالس بإذن الله وصايا نتناصح فيما بيننا البين
من خلالها كيف نستمر على هذا الطريق الذي نسير فيه وإليه.
الدعاء
نسأل الله عز وجل أن يبارك لنا ولكم في
هذه المجالس وقد كان حديثنا في هذا المجلس عن مفهوم الإرادة… لماذا نستخدم
كلمة مريد… مريد الدنيا أم مريد الآخرة ثم عن مراحل السير إلى الله عز وجل
والتي سيكون الحديث عنها في المجالس القادمة ..
اللهم يامن وفق أهل الخير للخير وأعانهم
عليه وفقنا للخير وأعنا عليه بارك لنا في هده المجالس واجعلنا من خاصة
أهلها اللهم إنك مطلع على القلوب ومطلع على نواياها نسألك اللهم أن لا يبقى
حاضراً في هذا المجلس أو مستمع أو مشاهد له أو سامع عنه إلا وقد صححت نيته
في الإقبال عليك اللهم صحح نوايا قلوبنا في هذه المجالس واجعلنا من الذين
تنظر إليهم نظرة الرضا حتى لا يبقى في القلوب إقبال إلا عليك اللهم اجعل
قلوبنا متصلة بك مقبلة عليك صادقة معك راغبة فيما عندك وبارك لنا في
مجالسنا هذه وافتح لنا فتحاً فيما عندك يا أكرم من سئل وأجود من أعطى وما
بخل، بارك لنا في هذه المجالس واجعلنا من الصادقين في الاقبال عليك ، اللهم
اجعل مرادنا أنت اللهم اجعل إرادتنا لك ولوجهك الكريم اللهم اجعلنا من
مريدي الآخرة ولا تجعلنا من مريدي الدنيا برحمتك ياأرحم الراحمين وصلى الله
على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم والحمد لله رب العلمين .