التصوف هو
"التخلى عن كل دَنِى ، والتحلى بكلى سَنى سلوكاً
إلى مراتب القرب والوصول ، فهو إعادة بناء الإنسان ، وربطه بمولاه فى كل
فكر ، وقول ، وعمل ، ونية ، وفى كل موقع من مواقع الإنسانية فى الحياة
العامة "
ويمكن تلخيص هذا التعريف فى كلمة واحدة ، هى :
( التقوى ) فى أرقى مستويات الحسية ،والمعنوية
فالتقوى
عقيدة ، وخٌلق ، فهى معاملة الله بحسن العبادة ، ومعاملة العبادة بحسن
الخلق ، وهذا الاعتبار هو ما نزل به الوحى على كل نبى ، وعليه تدور حقوق
الإنسانية الرفيعة فى الإسلام
وروح التقوى هو
( التزكى ) ( قد افلح من تزكى)سورة
الاعلي الايه 14
و ( قد أفلح من زكاها) سورة الشمس ايه 9
وبهذا المعنى تستطيع أن تستيقن بأن التصوف قد مُورس فعلاً فى العهد النبوى ، والصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم .
وقد امتاز التصوف مثلاً بالدعوة ، والجهاد ، والخلق ، والذكر ،والفكر ، والزهد فى الفضول ، وكلها من مكونات التقوى
( أو التزكى )
وبهذا يكون التصوف مما جاء به الوحى ، ومما نزل به القرآن ، ومما حثت عليه السنة ، فهو مقام ( الإحسان ) فيها .
كما أنه مقام التقوى فى القرآن والإحسان فى الحديث : مقامُ الربانية الإسلامية ، قال تعالى :
( كونوا ربانيين بكا كنتم تعلمون الكتاب بما كنتم تدرسون )
" سورة آل عمران ، الآية : 79
والتصوف
( التصوف الجد في السلوك الي ملك الملوك)
وقيل
:
(التصوف الموافقة للحق)
وقيل
:-
(انما سميت الصوفية صوفية لصفاء اسرارها ونقاء ءاثارها)
وقال بشر بن الحارث
(الصوفي من صفا قلبة لله)
وقد سئل الإمام أبو علي الرَوْذباري عن الصوفي فقال
"من لبس الصوف على الصفا، وكانت الدنيا منه على القفا، وسلك منهاج المصطفى (صلّى الله عليه وسلّم)"
وسئل الإمام سهل بن عبد الله التُّستَري عن الصوفي فأجاب
"من صفا عن الكدر، وامتلأ من الفكر، واستوى عنده الذهب والمدر"
وقال الشيغ محمّد ميارة المالكي في شرح المرشد المعين
"في اشتقاق التصوف أقوال إذ حاصله اتصاف بالمحامد، وترك للأوصاف المذمومة، وقيل من الصفاء
قال القاضي شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله تعالى:
(التصوف
علم تعرف به أحوال تزكية النفوس، وتصفية الأخلاق وتعمير الظاهر والباطن
لنيل السعادة الأبدية)[على هامش "الرسالة القشيرية" ص7 توفي شيخ الإسلام
زكريا الأنصاري سنة 929هـ
ويقول الشيخ أحمد زروق رحمه الله
:
(التصوف
علم قصد لإصلاح القلوب، وإفرادها لله تعالى عما سواه. والفقه لإصلاح
العمل، وحفظ النظام، وظهور الحكمة بالأحكام. والأصول "علم التوحيد" لتحقيق
المقدمات بالبراهين، وتحلية الإيمان بالإيقان، كالطب لحفظ الأبدان، وكالنحو
لإصلاح اللسان إلى غير ذلك) ["قواعد التصوف" قاعدة 13 ص 6 لأبي العباس
أحمد الشهير بزروق الفاسي، ولد سنة 846هـ بمدينة فاس، وتوفي سنة 899هـ في
طرابلس الغرب].
قال سيد الطائفتين الإمام الجنيد رحمه الله
:
(التصوف استعمال كل خلق سني، وترك كل خلق دني) ["النصرة النبوية" للشيخ مصطفى المدني ص22. توفي الإمام الجنيد سنة 297هـ].
وقال بعضهم
:
(التصوف
كله أخلاق، فمن زاد عليك بالأخلاق زاد عليك بالتصوف) ["النصرة النبوية"
للشيخ مصطفى المدني ص22، توفي الإمام الجنيد سنة 297هـ].
وقال أبو الحسن الشاذلي رحمه الله
:
(التصوف تدريب النفس على العبودية، وردها لأحكام الربوبية) ["نور التحقيق" للعلامة حامد صقر ص93. توفي أبو الحسن سنة 656هـ في مصر].
وقال ابن عجيبة رحمه الله
:
(التصوف:
هو علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك، وتصفية البواطن من
الرذائل، وتحليتها بأنواع الفضائل، وأوله علم، ووسطه عمل، وآخره موهبة)
["معراج التشوف إلى حقائق التصوف" لأحمد بن عجيبة الحسني ص4].
وقال صاحب "كشف الظنون
":
(هو علم يعرف به كيفية ترقي أهل الكمال من النوع الإنساني في مدارج سعاداتهم) إلى أن قال:
علم التصوف علمٌ ليس يعرفه إلا أخو فطنةٍ بالحق معروفُ
وليس يعرفه مَنْ ليس يشهده وكيف يشهد ضوءَ الشمسِ مكفوفُ
["كشف الظنون" للعلامة حاجي خليفة ج1/ص413 ـ 414].
وقال الشيخ زروق في قواعد التصوف
:
(وقد
حُدَّ التصوف ورسم وفسر بوجوه تبلغ نحو الألفين، مرجع كلها لصدق التوجه
إلى الله تعالى، وإنما هي وجوه فيه) ["قواعد التصوف" ص2].
فعماد
التصوف تصفية القلب من أوضاع المادة، وقوامه صلة الإنسان بالخالق العظيم،
فالصوفي من صفا قلبه لله وصفتْ لله معاملته، فصفت له من الله تعالى كرامته.
والتصوف مبني على الكتاب والسنة
كما قال سيد الطائفة الصوفية الجنيد البغدادي رضي الله عنه
"طريقنا
هذا مضبوط بالكتاب والسنة، إذ الطريق إلى الله تعالى مسدود على خلقه إلا
على المقتفين ءاثار رسول الله (صلّى الله عليه وسلّم)"
وقال الامام تاج الدين السبكي
"ونرى أن طريق الشيخ الجنيد وصحبه مقوَّم"
وقال سهل التُّستَري رضي الله عن
"
أصول مذهبنا- يعني الصوفية- ثلاثة: الاقتداء بالنبي (صلّى الله عليه
وسلّم) في الأخلاق والأفعال، والاكل من الحلال، وإخلاص النيّة في جميع
الأفعال"
وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي رضي الله عنه
"
ليس هذا الطريق بالرهبانية ولا بأكل الشعير والنخَالة"،وانما هو بالصبر
على الأوامر واليقين في الهداية قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا
يُوقِنُونَ﴾