ابجدية التصوف
وقد هيأت روحك لتسبح فى بحر سبوحك ، لتتلقى :
علم ( ألف) الأحدية التى غيبتها كمن سواه.
وعلم ( باء) البقاء لتكون باقية الباقى " بك أبقنا".
وعلم ( تاء ) التوجه لتكون كتوجهة إلى وجه واحد من جميع الوجوه.
وعلم ( ثاء ) ثواب أهل العبودية بالتباع المحمدى منزلة منزلة.
وعلم ( جيم ) جمال النور المحمدى عند الاجتماع الأعظم ، بالنبى الأكوم ، صلى الله عليه وآله وسلم.
وعلم ( حاء ) حياتك الطيبة بإيمانك وعملك الصالح ]من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة[.
وعلم خاء خوفك من جلال ربك عند قربك ]يدعون ربهم خوفا وطمعا[.
وعلم ( دال ) دنوك من حظيرة القدس الأعلى ، حين سجودك وقولك :" سبحان ربى الأعلى ".
وعلم ( ذال ) ذكائك عند اتصال روحك بأزكى الحليفة ، لتتنزل على قلبك الرقيقة من فيض فيضان علوم الحقيقة.
وعلم ( راء ) رحمة ربك التى تجعلك رحمة للمؤمنين.
وعلم ( زاى ) زكاة نفسك وفلاحها ]قد افلح من زكاها [.
وعلم ( سين ) سعادتها الأبدية قال تعالى : ]وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها [.
وعلم ( شين ) شكرها على نعم ربها لتحظى بزيادة قربها ، قال تعالى : ]وإذ تأذن ربك لئن شكرتم لأزيدنكم [.
وعلم ( صاد) صدقها فى معاملة ربها ، قال تعالى : ]يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين[.
وعلم ( ضاد) ضياء قلبها بنور ربها عند الطمأنينة بذكره ، قال تعالى : ]ألا بذكر اله تطمئن القلوب[.
وعلم ( طاء) طهر ربها من رجسها لتحظى بعالم قدسها ، قال تعالى : ]ولكن الله يزكى من يشاء [.
وعلم ( ظاء) ظفرها على عدوها لاعتمادها على ربها ، قال تعالى : ]إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا فى الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد[.
وعلم ( عين ) علمها باكرام ربها الأكرم ، قال تعالى : ]علم الإنسان ما لم يعلم [.
وعلم ( غين ) غيرتها على دينها ؛ لتنال الغاية القصوى فى الاتباع المحمدى ، قال تعالى : ]لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة[.
وعلم ( فاء ) فلاحها ، فى عالم تزكيتها ، قال تعالى : ]قد افلح من زكاها [.
وعلم ( قاف) قربها ، فى عالم حبها عند مشاهدة حبها ، قال تعالى : ]ونحن أقرب إليه من حبل الوريد[.
وعلم ( كاف) كفايتها شر غوايتها وشر أعدائها. قال تعالى : ]فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم [.
وعلم ( لام ) لومها لنفسها من هيبة ربها ، قال تعالى : ] ولا اقسم بالنفس اللوامة[.
وعلم ( ميم ) موتها قبل أن تموت لتحيا بالحياة الملكية. قال تعالى: ] الله نور السموات والأرض[.
وعلم ( هاء ) نورها بنور ربها الذى هو نور السموات والأرض. قال تعالى : ]والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا[.
وعلم ( واو ) ولاية ربها لها فى عالم النور والبهاء. قال تعالى : ]الله ولى الذين آمنوا [.
وعلم ( لا ) من لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
وعلم ( ياء ) يسرها ، قال تعالى : ]فسنيسره لليسرى[.
فهذه تسعو وعشرون علما التسعة بمنزلة التسعة أشهر التى يترلبى بها الجسد فى البطن ، والعشرون بمنزلة العامين ]لمن اراد أن يتم الرضاعة[. فإذا أتم الرضاعة لزمته القناعة ، وصحبته الطاعة ، فالقناعة تورث الزهد ، والطاعة تورث التقوى.
( فزاى) الزهد زكاة ، ( وهاؤه) هداية ، ( وداله ) دلالة ، فيلازم الزكاة وهى طهارة الظاهر والباطن ، ويلازم الهداية لنفسه وللناس ، ويلازم الدلالة على الله فيدل نفسه وغيره على الله.
( وتاء) التقوى توكل ، ( وقافها) قرب ، ( وواوه) ورع ، ( وياؤها) يقين ، فيحصل على القناعة والطاعة والتقوى والزهد والدلالة والتوكل والقرب والورع واليقين.
فهذه التسعة تضاف إلى تسعة وعشرين فيكون العدد ثمانية وثلاثين ويضاف إليها الإسلام والإيمان تبلغ أربعين بمنزلة أربعين ليلة التى هى الميقات]فتم ميقات ربه أرعين ليلة[.
وبعد ذلك يكون قد تهيأ للمكالمة الإلهية التى أشار إليها السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه بقوله :" غاية مكالمتك".
وتلك المكالمة الروحية الذوقية الغيبية هى التى عليها مدار الولاية ، وهى من باب خرق العادة مما لا تصل إليه الإشارة ، ولا تومئ إليه العبارة ، أمرها مفهوم ، وسرها مكتوم ، وشربها مختوم ]ختامه مسك وفى ذلك فليتنافس المتنافسون[.
موقف عز عن أكون نؤوم
وكسول قد غره الدينار
ومحب لنفسه وهواها
شغلته عما يراد الديار
ولقد جعلتك فى الفؤاد محدثى
لما رآك القلب بالتقديس
والروح مسور بخير مورث
وأبحث جسمى من أراد جلوسى
قال سيدى الشفاء مولانا السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه :" وغاية مكالمتك " يعنى واسالك يارب غاية مكالمتك ، وهى التى بها بعلو النور والبهاء فى حضرة الأنس من وراء عالم الحس ، حيث تتلاشى الغايات بغاية المكالمة للذين يريدون وجهه ، وقد أرادهم قبل أرادتهم له ، وسبقت إليهم منه الحسنى ، قال تعالى : ]ان الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون[ أى مبعدون عن نار القطيعة فى الدنيا ، وعن نار الحميم فى الآخرة ، فقد فارقتهم إرادة ، وغشيتهم إرادة ، شغلتهم عن شواغل العبادة ، تكاثرت عليهم الآيات ، فتزاحمت فى ساحتهم الواردات ، تشتاق قلوبهم لحبيبهم إذا اشتاقت القلوب إلى أحبابها ، مروا على أهل الجنة فوجدوهم عاكفين على بابها ، فقالوا لهم ما أردنا هذا النعيم ، ولكن أردنا وجه الكريم ، فبشرهم سبحانه بقوله :]وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة [.
فصبروا أنفسهم فأمر الحق سيدهم عليه الصلاة والسلام أن يصبر نفسه معهم ، فتشرفوا به حيث أرادتهم مع أرادته صلى اله عليه وآله وسلم]واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى يريدون وجهه[.
قال صاحب العلم النفيس رضى الله تعالى عنه:
وقال الله عز وجل : ]وما لأحد عنده من نعمة تجزى * الا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى[.
استدل السيد رضى اله تعالى عنه بهذه الآيات ليفيدنا بأن الذى يريد بعمله وجه اله تعالى جزاؤه على الله أن يرضيه. لأنه أرضى الله تعالى بالإخلاص بالعمل ، فوعده الله تعالى بالرضا فى الجنة ، وبالرضا فى الدنيا بجنة المشاهدة بعد الفتح ]إذا جاء نصر اله والفتح[.
اعلم أن الفتح بالنصر ، وأن النصر بالهداية ، وأن الهداية بالجهاد ]وجاهدوا فى اله حق جهاده[. ]والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا[. فإذا وصلت إلى الفتح فتحت لك أبواب جنة المشاهدة الثمانية: جنة المراقبة. وجنة المحاسبة. وجنة المشاهدة. وجنة التجلى. وجنة التلذذ بالذكر. وجنة الوحشة من الغير. وجنة الأنس بالله. وجنة الفناء لما سواه.
قال البوصيرى رحمه اله تعالى :
ودعوا أن تلكموا الدار لكم
فادخلوها بسلام آمنينا
قال اله تعال عن أهل الجنة : ]ادخلوها بسلام آمنين [ ، وقال تعالى : ]لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى [.
كذا أهل الشهود الذين أماتوا أنفسهم وشهواتها فأحياهم الله ، فأمنوا موت القلوب ، لما شربوا من ماء سماء الغيوب ، ما تلاشت به عنهم الغفلة والعيوب.
وقال تعالى : ]وما كان الله ليضيع إيمانكم[. وقال تعالى : ]صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة [.
وقال تعالى : ]إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون[. وكما أنه سبحانه وتعالى حفظ القرآن العظيم حفظ مقره ومكانه تكرمة له ، قال تعالى : ]بل هو قرآن مجيد * فى لوح حفوظ[. وقال عليه الصلاة والسلام :" فإن النار لا تحرق قلبا وعى القرآن " فبشرى لحفظة القرآن بحفظ اله لهم ولقلوبهم لأجل القرآن.
فهو السور المنيع ، والحصن القوى ،؟ والصاحب الوفى ، ان حفظته حفظت ، وان تلوته أثبت ، وأن علمته به نجوت ، وان دعوت إليه هديت ، وان حكمت به عدلت ، وان حكم عليك سعدت بقبول الشهادة لك إن أحسنت العشرة وراعيت الصحبة وقدست الحكمة.
من جاهد به فقد جاهد ، ومن تدبر آياته فقد شاهد ، له السلطان القاهر ، والحجة البالغة ، وآيات الجامعة ، إذا جهلت علمك ، وإذا أظلمت نورك ، وإذا تكاسلن نهضك ، قول فصل يفصل بين الحق والباطل ، ويرد ببلاغته كل ملحد ومجادل ، ما أكثر ثمار أشجاره لا تنقطع ثمارها كلما دنوت قطفت ] إنه لقرآن كريم [.
فكما ربيت جسمك بأنواع الثمرات الأرضية ، فلا تحرمن روحك من أنواع الثمرات السماوية ، فعرج على كل ثمراته لتحيا بها حياة أهل الذكرى.
فإذا تدبرت آياته رأيت حكمه عليك تترى ، فتحييك كما أحيت الذين من قبلك ، قال تعالى : ]وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا[. وقال تعالى : ]وإنه لذكر لك ولقومك[.
اعلم أن للجسد روح الحياة ، وللروح روح البينات ، فالجسد يجيا بروحه ، والروح تحيا بروحها ، والحى من جمع بين الروحين ، وروح الحياة لا كسب له فيها ، وروح القرآن له فيها كسب ولكن الأولى بعد خلق ، قال تعالى : ]فإذا سويته ونفخت فيه من روحى [.
والثنية بعد اصطفاء قال تعالى : ]ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا[ ، وما أحسن الخلق والاصطفاء إذا اجتمعا.
ولما أرضى سيدنا ابى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه بلابلا بن رباح الحبشى رضى الله تعالى عنه ، رضى الله تعالى عنه كمت فى الحديث الوارد.
وقد لقب بالصديق والرفيق والعتيق لأنه أنفق ماله ابتغاء وجه الله الكريم ، فنال من اله تعالى الرضا والتكريم ، وكان بلال حينما يعذبه الكفار يقول: " أحد أحد " ولما حضرته الوفاة قيل له : نأتى إليك بطبيب؟ وهو يقول:
غدا نلقى الأحبه
محمدا وحزبه
وهكذا الاحباب إذا دنت ركائبهم تذكروا أحبابهم ، وودوا ذهابهم.
وكانت آخر كلمة قالها سيدى عبد العالى الإدريسى رضى اله تعالى عنه :" الله "ومدها فخرجت روحه الشريفة معها.
وهكذا الأحباب لا يخرجون من الدنيا حتى تغيب عنهم الدنيا بمشاهدة محبوبهم ، قلوبهم تشكره ، ولسانهم يذكره ، قد نسوا جميع الوجوه لتعلقهم بوجه واحد ]كل شئ هالك إلا وجهه * له الحكم وإليه ترجعون[.
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الثالث
القاعدة الثالثة :" الرحمة "
قال سيدى أحمد بن إدريس رضى اله تعالى عنه:
أن يوطن قلبه على الرحمة لجميع المسلمين كبيرهم وصغيرهم ، ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير ، فإن رسخ فى هذه القاعدة واستقام فيها قلبه أفاض الله سبحانه وتعالى على سائر جسده أنوار الرحمة الإلهية ، وأذاقه حلاوتها فنال من الإرث النبوى حظا وافرا عظيما من قول الله عز وجل : ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ وهذا معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" إن لله عز وجل ثلاث حرمات ، فمن حفظهن حفظ الله عليه أمر دينه ودنياه ، ومن لم يحفظهن لم يحفظ اله له شيئا : حرمة الإسلام وحرمتى وحرمة رحمى " وفى هذا المعنى قول النبى صلى اله عليه وآله وسلم لأبى بكر الصديق رضى اله تعالى عنه " لا تحقرن أحدا من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير".
قال صاحب العلم النفيس مولاى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه:
" أن يوطن قلبه على الرحمة لجميع المسلمين كبيرهم وصغيرهم ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير".
قال صاحب العلم الثرى سيدى صالح الجعفرى رضى اله تعالى عنه : وقد أشار النبى صلى الله عليه وآله وسلم إلى هذه المعانى بقوله: " ليس منا من لم يوقر كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه ". أى ليس على سنتنا السمحاء.
ومن يكون كذلك فله حظ وافر فى الإرث المحمدى ، قال تعالى : ]وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين[ ، وقال عليه الصلاة والسلام: " إنما بعثت رحمة ".
فمن أراد الرحمة لنفسه فليرحم غيره ، قال عليه الصلاة والسلام: " من لا يرحم لا يرحم".
وقد رويت هذا الحديث المسلسل بالأولية عن شيخى الشيخ على محمد إمام مسجد دنقلا المتصل إلى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه إلى نتهى السند ، وكان ذلك فى عام 1345هـ ، وأيضا قد تلقيته بإسناد آخر عن السيد عبد الحى الكتانى بالمسجد الحسينى بمصر ، وذلك فى عام 1360هـ.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى ، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء ". ومن جعل قلبه رحمة للمؤمنين فقد استجلب الرحمة الإلهية إليه ، وفتح أبوابها نحوه ، فينال من الإرث المحمدى على قدر تمكنه فى هذا المقام.
قال تعالى فى وصفه لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم :]بالمؤمنين رؤوف رحيم[ ، وعلى قدر الإرث يكون الاتصال بالموروث ، وعلى قدر الرحمة تكون المنفعة للعباد ، قال صلى الله عليه وآله وسلم : " أحب الخلق إلى الله تعالى أنفعهم لعباده" فتدخله الرحمة فى مظهر اسمه تعالى " النافع " فلا يتعرض لضرر المؤمنين بوجه من الوجوه ، بل يتسبب فى جلب النفع إليهم.
قال عليه الصلاة والسلام:" من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل " ، وقال سيدى أبو الحسن الشاذلى رضى الله تعالى عنه: " الولى فى زماننا هذا الذى ينتفع به أعداؤه يؤذونه ويدعو لهم بالخير" ، وهذه أيضا فى التراث المحمدى.
قال البرعى رحمه الله تعالى :
ودعوة أحمد رب اهد قومى
فهم لا يعملون كما علمنا
والعفو والتجاوز ومقابلة السيئة بالحسنة إنما يكون بسبب الرحمة.
وكل من كان كذلك ينطق عليه قول سيدنا الشفاء صاحب العلم النفيس مولاى الشريف السيد أحمد بن إدريس رضى الله تعالى عنه فى أحزابه:
" ثم تصب ياإلهى على ذاتى فيوضات بحر محيط الرحمة الإلهية ، حتى أكون كلى رحمة إلهية فى جميع عوالمك الإطلاقية والتقيدية ، ويكون لسان رحمة ذاتى فى جميع جهات الخلق آية الرحمة الإلهية المطلقة ]ورحمتى وسعت كل شئ[.
وسبب انصباب فيوضات بحر الرحمة الذاتية على ذاتك هو إعراضك عن لذاتك ، وتخليها عن أنا والأنانية ، بتحلى إخلاصها بصدق النية ، وانغماسها فى بحر عين الوحدة ، وبحر]إنما المؤمنون إخوة[ ، فرحمت النفس نفسها لما رحمت إخوتها ، فصارت فى حضرة الإطلاق آية الرحمة ، فنالت جزاء رحمتها بانصباب الفيوضات من بحر الرحمات.
فاهتزت أرض جسمها وربت ، فصارت كلها رحمة إلهية وأينعت فى جميع العوالم: لاغطلاقية مع اهل الإطلاق ، والتقييدية مع أهل التقييد ، ثم يوفق لسان رحمة ذاتى من جميع جهات روحى يتلو بلسان روحى فى جميع جهات الخلق آية الرحمة الإلهية المطلقة : ]ورحمتى وسعت كل شئ [ التى عمت الإيجاد بعد العدم والرزق والعافية والذرية والآجال وتأخير العقوبات ، كل ذلك لم يدخل فى التقييد.
وقد جهل إبليس فظن أنه يدخل فى الرحمة ، واحتج بهذه الآية على بعض العارفين ، وقد جهل إبليس أن الرحمة مطلقة ومقيدة ، فالمطلقة عمت كل شئ حتى الكافر ، والخاصة فى قوله تعالى :]فسأكتبها[.
وقد امتن الله على الخلق مؤمنهم وكافرهم بقوله :]ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا[ وغير ذلك فى الآيات ، وقد أشار إلى المقيدة بقوله تعالى :]وكان بالمؤمنين رحيما[.
فمن ذهب إلى بلاد الكفار ليدعوهم إلى الإسلام ، وذهب إلى مجالس الفساق ليدعوهم إلى التوبة ، وإلى بلاد الجهال ليعلمهم أمور دينهم ، وإلى العاملين المؤمنين ليذكرهم ، فقد أخذ بالرحمتين وتخلق بالخلتين ، قال عليه الصلاة والسلام :" تخلقوا بأخلاق الله " يعنى التى يجوز للخلق أن يتخلقوا بها ، كالرحمة والعفو والكرم والرأفة والعلم والعدل والإحسان وغير ذلك.
]إن اله يأمر بالعدل والإحسان[ ، ]وليعفوا وليصفحوا[.
أخرج صاحب هذه القواعد فى رسالته المسماة " روح السنة " ، وروح النفوس المطمئنة " هذه الأحاديث:
وربما تعرضت لشرح بعض كلماتها على وفق الإلهام والمدد الإلهى فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
فأقول بالسند المتصل على السيد أحمد بن إدريس رضى اله تعالى عنه عن رسول الله صلى اله عليه وآله وسلم انه قال:
" والذى نفسى بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم. قالوا : كلنا رحيم ، قال: لا ... حتى ترحم العامة ".
قلت: وهذا ما أشرت إليك آنفا من الرحمة المطلقة التى يكون صاحبها كالبحر يروى كل من يرده.
والجنة جنتان : معجلة وهي جنة المشاهدة الإلهية في الدنيا ، ويكون التلذذ فيها بذكر الله تعالى كما يتلذذ أهل الجنة بنعيم الجنة ، ولذلك كان r تقر عينه بالصلاة ، وللعارفين على قدر درجاتهم في الإرث المحمدي ، وجنة المشاهدة في الدنيا لها أبواب كثيرة من أجلها : أن يوطن قلبه على الرحمن لجميع المسلمين ، فإن كان من ارباب الترقي الروحي وصلت به رحمته إلى جمعية عيون الحقائق الرحموتية r فينال في ذلك على قدر أهليته ، ثم يتلو لسان رحمة ذاته من جميع جهاته في جميع جهات الخلق آية الرحمة الإلهية المطلقة ، وبلسانه الذي يتكلم به في مقام إجابة لسانه إذا ترجم عن جنانه ، وعند ذلك تقول الروح للسان : الله حسبك : (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك) فيستطيع أن يتلوا من جميع جهاته في جميع جهات الخلق على طريق التراث المحمدي لمن على جميع الخلق علا وسما المشار إلى مقامه r بقول ربه تعالى : (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى)
واعلم يا أخانا في الله تعالى أن مدارك الإدراك تشبه دورة حركة الأفلاك ، فنظم مدار حركة إدراكك ، بعد تنظيم حركة دورة أفلاكك ، حتى لا ينبغي لشمس حقيقتك أن تدرك قمر شريعتك فيقع خسوف التخليط ، ولا لليل غيب سرك أن يسبق نهار روحك في الوجد والشهود
فإذا انتظمت أفلاكك ظهرت أنوارك ، فتكون ذاتك كلها نوراً ذاتياً صرفاً من جميع الوجوه ، فتجلس روحك على منبر قدسك منورة بنور ربك ، وقد أشرقت شمس نهارك على أرض جسمك ، فتنزلت الرحمات على قلبك ، فتوطن على الرحمة لجميع المسلمين ، وصرت رحمة بين عباد الله ، ملحوظاً بعين الله ، مرحوماً برحمة الله (سيجزيهم وصفهم) (وما ربك بظلام للعبيد)
وبالسند المتصل إلى الشريف مولاي السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه قال : وعنه r أنه قال : " يقول الله عز وجل : إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي "
انظر كيف جعل ربك وصول رحمته تعالى إليك متوقفاً على رحمتك لخلقه ؟! فإذا رحمت الخلق فإنما أنت في الحقيقة ترحم نفسك ، وإذا حرمتهم رحمتك فقد حرمت نفسك ، كالذي يسقى الأشجار بالماء لتثمر فينتفع بثمرها ، فهو في الظاهر يسقي الأشجار ، وفي الحقيقة إنما هو يسقي نفسه ، وإذا ترك سقيها فقد ترك مصلحة نفسه ورحمته إياها
وبالسند المتصل إلى سيدي الشريف مولاي السيد أحمد بن إرديس رضي الله تعالى عنه أنه قال : وعنه r أنه قال : " ليس منا من لم يبجل كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا حقه " أيش تبجيل الكبير ؟ احترامه وتوقيره لكبر سنه ، وذلك من عادة الأشراف والعرب إلى يومنا هذا ، ورحمة الصغير : الشفقة والعطف عليه لضعفه وصغر سنه وعقله ، ويعرف للعالم حقه من الإرث المحمدي ، قال عليه الصلاة والسلام : " العلماء ورثة الأنبياء "
وحق الأفضلية ن قال عليه الصلاة والسلام : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم "
فمعرفة حق العالم واجبة على كل مسلم ، ويجب احترامه لأجل الخلافة ، قال عليه الصلاة والسلام : رحم الله خلفائي ، قالوا : ومن خلفاؤك يا رسول الله ؟ قال : الذين يأتون من بعدي يبلغون الناس سنتي "
والأمة بخير مادام العلماء فيها ، والأمة بخير ما وقرت علماءها واستمعت لأقوالهم وعملت بها ، قال البوصيري رحمه الله تعالى :
كيف نخشى الضلال من بعدك . وفينا وارثوا نور هديك العلماء
وبالسند المتصل إلى صاحب العلم النفيس رضي الله تعالى عنه أنه قال : وعنه r أنه قال : " من سره أن يقيه الله من فور جهنم يوم القيامة ويجعله في ظلله فلا يكن بالمؤمنين غليظاً وليكن بهم رحيما "
ايش ؟ لأن الجزاء من جنس العمل ، فالذي يرحم المؤمنين في الدنيا يرحمه الله تعالى بالنجاة من عذاب جهنم ويظله تحت العرش يوم القيامة
وبالسند المتصل إلى صاحب العلم النفيس أنه قال : وعنه r أنه قال : " إن العبد ليقف بين يدي الله تعالى فيطيل الله وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد فيقول : يا رب ارحمني اليوم ، فيقول : هل رحمت شيئاً من خلقي من أجلي فأرحمك ؟ هات ولو عصفوراً "
ايش ؟ كن رحيماً بخلق ربك يرحمك يوم لا ينفعك مال ولا بنون ، واعلم أن الرحمة تنفعك ولو لحيوان أو طير أو بهيمة ، لأن الله تعالى خلقهم مثل ما خلقك ، قال تعالى : (وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلى أمم أمثالكم)
قال صاحب العلم النفيس رضي الله تعالى عنه :/
ويعطيهم حق الإسلام من التعظيم والتوقير ن فإن رسخ في هذه القاعدة واستقام فيها قلبه افاض الله سبحانه وتعالى على سائر جسده أنواره الرحمة الإلهية وأذاقه حلاوتها ، فنال من الإرث النبوي حظاً وافراً عظيماً من قول الله عز وجل : (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) وهذا معنى قول رسول الله r : " إن لله ثلاث حرمات فمن حفظهن حفظ الله عليه أمر دينه ودنياه ، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئاً : حرمة الإسلام وحرمتي وحرمة رحمي "
وفي هذا المعنى قول النبي r لأبي بكر رضي الله تعالى عنه : " لا تحقرن أحداً من المسلمين فإن صغير المسلمين عند الله كبير "
الحرمات : الحقوق ، فمعنى حرمة الإسلام : أي ما يطلبه الإسلام من المسلم ، وهي أمور كثيرة لا يكمل الإسلام إلا بها كقوله r : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وكقوله r : " المسلم أخو المسلم " وكقوله r : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " وكقوله r : " أمرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا غله إلا الله وأني رسول الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله " وكقوله تعالى : (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان)
وبالجملة : فمن راعى ما وجب في الإسلام ففعل ، وما حرم فترك ، فقد عظم حرمة الإسلام ، ويدخل في قوله r : " احفظ الله يحفظك " ومن لم يكن كذلك فلم يعظم حرمة الإسلام وحينئذ فمن أضاع فجزاؤه الضياع
وفي الحديث : تدعو الصلاة على من اضاع وقتها فتقول : ضيعك الله كما ضيعتني "
وحرمة النبي r : حقه الذي أوجبه الله تعالى علينا ، كطاعته في قوله وفعله ، واحترامه وتوقيره وتكريمه ، والاعتراف بفضله وشفاعته ، وجاهه ورفع ذكره وعلو درجته ، وأنه موصوف منذ خلقه الله تعالى بالزيادة في الإيمان والعلوم والأنوار والدرجات والبركات والأسرار والنفحات والخيرات
وكذلك يكون بعد أن لحق بالرفيق الأعلى أعلى مقاماً وأجل إكراماً وأوسع علماً وإدراكاً وكشفاً وشهوداً وسماعاً ورداً للسلام ، ولا يجوز لمؤمن أن يعتقد فيه غير ذلك ، أو أنه قد مات كموت الخلق ، بل أحياه الله تعالى بعد موته بحياة تفوق حياة النبيين والمرسلين عليه وعليهم الصلاة والسلام ، وحياة الشهداء ، وحياة الملائكة الكرام ، وحياة الأحياء من أهل الدنيا
ويجب عليك أن تحبه r أكثر من نفسك ، وأن تصلي وتسلم عليه ، وأن تزور روضته الشريفة لتحظى برد سلامه r عليك ، وتحصل لك بركته r وبركة نظره إليك ودعائه لك
وقد وردت أحاديث كثيرة في فضل أهل بيت النبوة رضي الله تعالى عنهم . ومن أعظم الصلة لهم زيارتهم بعد مماتهم ، والتسليم عليهم والترضي عنهم
" لا تحقرن أحداً من المسلمين " احتقار المسلم هو الازدراء به والتكبر عليه ، قال عليه الصلاة والسلام : " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم "
وقد نادى الله تعالى في القرآن عباده بما يدل على الأخوة والمساواة فقال : يا عبادي . يا بني آدم . يا أيها الناس يا أيها الذين آمنوا
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الرابع
القاعدة الرابعة : مكارم الأخلاق
قال سيدي أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه :
مكارم الأخلاق التي بعث رسول الله r لتمامها ، وهو قول النبي r " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " وهذه القاعدة هي زبدة الدين ، وحقيقتها أن يكون العبد هينا لينا مع أهل بيته وعبده ومع جميع الخلق ، قال رسول الله r : " أهل الجنة كل هين لين سهل قريب ، وأهل النار كل شديد قبعثري " قالوا وما قبعثري يا رسول الله ؟ قال : الشديد على الأهل ، الشديد على الصاحب ، الشديد على العشيرة
وقال مولانا العظيم : (وقولوا للناس حسنا) أي لا قبحاً ، وقال عز وجل : (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) والأحسن هو الذي جمع الحسن وزيادة
وبالجملة فالذي تحب أن يواجهك الناس به من الكلام الطيب والقول الحسن والفعل الجميل فافعله مع خلق الله تعالى ، وما تكره أن يعاملك العباد به من الكلام الخبيث والقول القبيح والفعل الكريه فاتركه ، فإن الله يعامل العبد بوصفه وخلقه الذي يعامل الخلق به ، فإن المجازاة على الوصف بالوصف (سيجزيهم وصفهم) (جزاء وفاقا) فمن كان للخلق جنة ورحمة وظلا ظليلا يستريحون فيه كان الله له كذلك ، فمن أكرم عبدا لمراعاة سيده فإنما أكرم السيد ، وكذلك جاء في الحديث عن الله عز وجل أنه يقول للعبد يوم القيامة : جعت فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني ، ومرضت فلم تعدني . فيقول العبد : كيف تجوع وأنت رب العالمين ؟ وكيف تمرض وأنت رب العالمين . وكيف تستسقي وأنت رب العالمين ؟! فيقول له سبحانه وتعالى مفسراً لذلك : أما إنه مرض عبدي فلان فلو عدته لوجدتني عنده ، وجاع عبدي فلان ، فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي ، واستسقاك عبدي فلان ، أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي . مفسراً سبحانه نفسه في قوله : جعت ومرض واستسقيت بقول : جاع عبدي فلان ، ومرض عبدي فلان ، واستسقاك عبدي فلان . فمعاملة العبد لملاحظة سيده هي معاملة السيد بلا شك
فمن رسخ قدمه في هذا المقام صارت معاملته مع الحق جل جلاله في كل شئ فلا يراقب غير الله تعالى
ومجمع مكارم الأخلاق مع الله تعالى ومع عباده قول النبي r " أكرموا الله أن يرى منكم ما نهاكم عنه " وهو أن لا يراك سبحانه حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك
والأمر الذي يبعث العبد على الحياء من الله تعالى هو أن يعلم علم حضور أن الله على كل شئ رقيب ، وعلى كل شئ شهيد ، وهو قوله تعالى : (واعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه) فإذا شغل العبد قلبه بهذه المراقبة واستعملها حتى اعتادها وألفها لزمه الحياء من الله تعالى أن يقول قولا أو يفعل فعلاً لا يرضاه الله ولا يليق بجلاله وهو حاضر القلب (وهو معكم أينما كنتم) فإن الله تعالى معه وناظر إليه
فإن العبد إذا أراد أن يزني مثلاً أو يسرق والناس ناظرون إليه لا يقدر أن يقدم على ذلك مع علمه بنظر الناس إليه ، فإنه يستقبح ذلك من نفسه ويستخبثه ، فإذا كان الحال هكذا مع المخلوق الذي لا يملك ضراً ولا نفعاً ، والحامل له على ذلك كله مخافة أن يسقط من أعين الناس ويحط قدره عندهم ، ولا شك أنه إذا كان حاضر القلب عند الشروع في الفعل الذي لا يرضاه الله تعالى ترك ذلك الفعل قطعاً ، وهذا معنى قول النبي r في الإحسان " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك "
فمن كان بهذه الحالة لزمه أن يحسن تلك العبادة ويتقنها على قدر قوة علمه أن الله ناظر إليه . وبالله التوفيق
وصلى الله على مولانا محمد وآله وسلم في كل لمحة ونفس عدد ما وسعه علم الله
قال بحر العلوم الغوالي والد السيد عبد العالي الشريف مولاي السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه :
" مكارم الأخلاق التي بعث رسول الله r لتمامها وهو قول النبي r : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "
ايش ؟ اعلم أيها الإنسان الذي أنس بأورادنا ، وصار من أولادنا ، وروحه من روحنا ودنا وملأ قلبه بودنا ، وإن تناءت بلادنا ، أ، لهذا الحديث معنى أعز معنى وهو أنه عليه الصلاة والسلام أول من نبأ عن الحق سبحانه فهو أساس مكارم الأخلاق بنبوته والمتمم لها ببعثته
وهو أول من عرف الحق بالحق ، وأول مظهر للقدرة والإرادة ، فهو أول المفاض عليهم وآخر الموحي إليهم
فهو r فاتحة الموجودات ، ومجمع بحري الحقائق الأزليات والأبديات ، (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) النبوات والولايات في أزليات (ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم) ، وفي أبديات : (لقد جاءكم رسول من أنفسكم)
فهو r متمم النبوءات في عالم (لتؤمنن به ولتنصرنه) ومتمم مكارم الأخلاق في عالم (قم فأنذر وربك فكبر)
وفي عالم الأتباع المحمدي منزلة منزلة على سبيل (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)
مكارم الأخلاق
جاء r بمكارم الأخلاق التي أبدلت الظلمة نوراً ، والشرك توحيداً ، وحولت الجهالة علماً ، والعداوة صلحاً ، فصار الناس في عدالة بعد ظلم . وقوة بعد ضعف . وعلم بعد جهل . وكرم بعد بخل . وتواصل بعد تقاطع . وشجاعة بعد جبن . وجهاد بعد استسلام . وعزة بعد ذلة . وتعاون بعد تخاذل . واجتماع بعد افتراق . وائتلاف بعد تنافر . وشعور بعد لا شعور . وإحساس بعد لا إحساس . وحياة بعد موت . ونور بعد ظلمة . (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس)
فغرس r في قلوب المؤمنين شجرة طيبة ثمارها التواضع والسخاء والعفة والوفاء ، يتواضع أميرهم لفقيرهم ، ويوقر صغيرهم كبيرهم ، ويرحم كبيرهم صغيرهم ، الملهوف بينهم يغاث ، والمريض يعاد والميت تشيع جنازته ، والسائل لا ينهر ، واليتيم لا يقهر ، والأمانة لا تضيع
والعالم يسمع قوله ويعرف حقه ، والقرآن يكتب ، والعلم يطلب ، والحقوق موفورة ، والمساحد معمورة ، هاجرين قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ، أمرهم شورى بينهم ، ولم يختل في شعوبهم أمنهم ، كل ذلك من مكارم الأخلاق التي جاء بها r
واعلم بأن من أجل أخلاقك . دخولك في حضرة خلاقك وسبحك في عالم المكارم والتكريم . حتى يضئ بذكرك الليل البهيم جادا في أمورك على المنهاج القويم . جانياً من غرس المكارم النبوية ثمارها . راداً من نفسك شيطانها وعارها ، جالساً على كرسي " واجمع بيني وبينه " زائراً كالسبع ن رافعاً لراياتك السبع ، متقلداً سيف (جاء الحق وزهق الباطل) ، متوكلاً على ربك فلا يتعرض لك في طريقك إنس ولا جن إلا أعدمته بسيفك . متلقياً درر معاني جواهر نفائس غوالي العلوم والمعلومات . من فيض من طارت منه رشاشات فاقتسمتها بحكم المشيئة الإلهية جميع المبدعات ، ناظراً بعيني قلبك إلى مقر قرار الفهوم والقراءات ، الذي من لوح كنهة قرأ المقربون كلهم حقية التجليات ، شجرة الأصل النورانية فلا نور إلا منها استنار سناه ، ولمعة القبضة الرحمانية التي بنضرتها تنضر كل نضر مرآة ، معدن الأسرار الربانية فلا سر إلا من سره مسراه ، فتعرض لذلك السر بكثرة الصلاة والسلام على سر الخلوة الإلهية ليلة الإسراء ، لعل قلبك مما فيه يبرا . وتتزاحم على بابه نفائس الدرر الغوالي التي عزت على غير عزيز بربه . مكين في قربه : مديم لحزبه
قال سيدي صاحب المقال العالي أبو الشريف عبد العال سيدي أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه :
" وهذه القاعدة هي زبدة الدين " :
يعني قاعدة مكارم الأخلاق لأن العمل بالدين ينتج مكارم الأخلاق . فهي زبدته وثمرته وبالتجارب : الرجل التقي يوفق لمكارم الأخلاق ، وغيره يظهر منه سيئ الأخلاق
ثم شرع السيد رضي الله تعالى عنه في بيان حقيقة مكارم الأخلاق فقال :
" وحقيقتها أن يكون العبد هينا لينا مع أهل بيته وعبده ومع جميع الخلق "
في العبد للكمال وهو العبد الكامل الذي وصفه السيد أحمد رضي الله تعالى عنه في أحزابه بقوله : " واجعلني يا رب لك عبداً محضاً عبودية خالصة لا رائحة ربوبية يها على أحد من خلقك "
وإذا كان كذلك كان هينا لينا متواضعاً في غير ضياع حق ولا انتصار لباطل ولا جبن أمام ظالم
والحديث : " وخالق الناس بخلق حسن " والخلق الحسن يشمل القول والفعل ن فمن عامل الخلق بالخلق الحسن فقد عاملهم بمكارم الأخلاق
وفي هذا البيت الأخير إشارة إلى ما روي لي عن السيد مصطفى الإدريسي رضي الله تعالى عنه : أكرم جدي السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه بمكة غاية الأكرام
وفي بعض الأحيان كان سيدي يتمثل بحديث الرسول r الذي قاله لسيدنا عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه لما جهز جيش العسرة ، والذي جاء بمعناه العارف بالله سيدي سر الختم الميرغني رضي الله تعالى عنه بقوله :
لا يخف عثمان شيئاً بعد ذا غفر الله له ما اكتسبا
والحديث هو : " ما ضر عثمان ذنب بعد اليوم "
قال صاحب العلم النفيس رضي الله تعالى عنه مستدلاً بالحديث الآتي على ما قدمه من أن المؤمن يكون هيناً لينا :
قال r :
" أهل الجنة كل هين لين سهل قريب ، وأهل النار كل شديد قبعثري . قالوا : وما قبعثري يا رسول الله ؟ قال : الشديد على الأهل ، الشديد على الصاحب ، الشديد على العشيرة "
يصف النبي r أهل الجنة بقوله " هين لين سهل قريب " وذلك بالمؤمنين كما قال تعالى : (رحماء بينهم) فالمؤمن من يكون مع أخيه المؤمن هيناً ليس صعباً قاسيا ً، سهلاً ليس وعراً ، قريب الرضا ليس ببعيدة
وفي الحديث : " المؤمن هين لين سريع الغضب قريب الرضا " فالمؤمن حقاً يعمل بقوله تعالى : (والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس) وبقوله تعالى (وإذا ما غضبوا هم يغفرون) وبقوله تعالى : (ويدرأون بالحسنة السيئة) يعني من قدم إليهم سيئة قدموا إليه حسنة ، وهذه الصفة من أجل مكارم الأخلاق ، وقد وعد الله فاعلها بأن عدوه يكون بعد العداوة ناصراً له محباً حباً عظيماً ، فتلك مكافأة معجلة في الدنيا للذين يتصفون بهذه الصفة الكريمة
الألفة سبيل التحابب
وفي الحديث قال عليه الصلاة والسلام : " المؤمن من يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف " ، وقال تعالى : (وألف بين قلوبهم)
فالألفة التي بين قلوب المؤمنين منة من أعظم المنن ونعمة من أجل النعم ؛ إذ بها يحصل التحابب والتعاون والتآزر ، فلا يسمح المؤمن بضرر أخيه ومقاطعته واستسلامه لعدوه ، بل يكون له أخاً ، كريماً لا لئيماً ، مساعداً لا معانداً ، مواصلاً لا مقاطعاً ، محققاً قول الحق سبحانه : فأصبحتم بنعمته إخواناً
وقد وصف r أهل النار بالشدة على الأهل والصاحب والعشيرة ، وفي الحديث : " والمنافق إذا خاصم فجر "
فلا تكن شديداً على أهلك فيبغضوك ، ولا على أصحابك فيهجروك ، ولا على العشيرة فيبدلون العشرة قطيعة لك
وقد قال تعالى : (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) فوصف الله سبحانه أهل النار بالتخاصم وهم في النار ، ووصف أهل الجنة بالإخلاص والأخوة في الجنة فقال سبحانه (ونزعنا ما في صدروهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) فأهل النار أهل تباغض وتقاطع في الدنيا والآخرة ، وأهل الجنة أهل توادد وتحابب في الدنيا والآخرة ، قال عليه الصلاة والسالم : " أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة "
قال مولانا الشريف السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه :
" وقال الله تعالى : (وقولوا للناس حسنا) أي لا قبحا وقال عز وجل : (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)
والأحسن هو الذي جمع الحسن وزيادة : بفضل الفتاح المتعال : اللهم ارزقني صواب المقال : لما خلق الله الإنسان في أحسن تقويم كما قال تعالى : (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) ناسب بأن يأمره بأن يقول أحسن القول ن وقد قال سبحانه في وصف الحمار حينما نهى عن التشبه به : (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير) فالذي خلقه الله في أحسن تقويم يقول التي هي أحسن للذي خلق في أحسن تقويم ، وذلك يتناسب أيضاً مع التكريم ، قال تعالى : (ولقد كرمنا بني آدم) ومن تكريمه أن يقول التي هي أحسن وأن يقال له مثلها ، ومن تكريمه تحريم سبه ولعنه ، وغيبته وقتله واحتقاره ، والهمز واللمز له ، والظن فيه والقدح والشماتة والنميمة والفضيحة ، وإضاعة الفاحشة والإفك عليه والبهتان ، وقذفه وحسده والحقد عليه والضغينة ، وضياع حقه وانتقاص قدره ، وغشه وغدره والكذب عليه ، وبخسه وبخس ما ينسب إليه ، ووصف باللقب المسئ ، ونهره وزجره وضربه ن والمكر به والبغي عليه والكيد له وسحره ، وتخويفه وإدخال الحزن عليه ، وقطع الطريق عليه ، ومنعه الماء والهواء والظل ، ومنعه الطعام والشراب ، ومنعه الصلاة والزكاة والحج والعبادة لأن الله تعالى قد كرمه وحفظ عليه التكريم بالإيمان والإسلام
وأما الكافر فقد أضاع تكريمه بالكرف قال تعالى : (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل)
والجهر بالسوء من القول مبغوض عند الله مبغوض عند الملائكة ، قال تعالى (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) فلا تقولن قولا لا يحبه الله تعالى ، وقد ورد في الحديث أنه r أخرج لسانه الشريف وقبض عليه وقال : " أمسك عليك هذا " فقال السائل : أفنؤاخذ بما نقول ؟ قال عليه الصلاة والسلام : " ثكلتك أمك وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ، وقال عليه الصلاة والسلام : " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين فخذيه ضمنت له الجنة "
فمن فكر في هذه الآيات الكريمة وتلك الأحاديث الصحيحة حافظ على لسانه تمام المحافظة لا سيما بعد أن علم أن الملك يكتب عليه كل كلمة يقولها ، قال تعالى : (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وقال تعالى : (مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها) ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : الكبيرة : الضحك ، والصغيرة : التبسم
قال سيدنا الشريف السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه :
" وبالجملة فالذي تحب أن يواجهك الناس به من الكلام الطيب والقول الحسن والفعل الجميل فافعله مع خلق الله ، وما تكره أن يعاملك العباد به من الكلام الخبيث والقول القبيح والفعل الكريه فاترك الناس والخلق منه "
عنه : أشار بهذا القول إلى ما قاله سيدنا على كرم الله وجهه لابنه سيدنا الحسين رضي الله تعالى عنه : " يا بني اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك : أحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها "
قال عليه الصلاة والسلام : " المسلم أخو المسلم " ، وحينئذ فلا ينبغي للأخ أن يعامل أخاه بالمعاملة التي يكرهها لنفسه ، لأن أخوة الإيمان ارتباط باطني عظيم أقوى من ارتباط الأنساب ، وانظر إلى قوله تعالى : (ولا تلمزوا أنفسكم) وهل الإنسان يلمز نفسه ؟ ولكن لشدة الاتصال الأخوى يجعل القرآن الذي يلمز لأخيه المسلم كأنه لمز نفسه ، وقال عليه الصلاة والسلام : " الناس سواسية كأسنان المشط " ، وكيف يكون الأمر كذلك إذا عامل المسلم أخاه المسلم بما يكره أو أسمعه ما يكره
قال
أسمع لغيرك ما يرضيك مسمعه
ولا تفه بقبيح القول للناس
النفس ميزان ما يرضيك من أحد
أو كان يغضبها من منطق قاسي
فاجعل لغيرك ما يرضيك يرض به
وما يسئ فلا تذكره للناس
واسمع نصيحة بن إدريس سيدنا
نعم النصيحة في قلب وقرطاس
قال صاحب العلم النفيس الشريف السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه :
" إن الله تعالى يعامل العبد بوصفه وخلقه الذي عامل الخلق به ، فإن المجازاة على الوصف بالوصف (سيجزيهم وصفهم) (جزاءا وفاقا)
وكلام السيد هذا يشبه كلام سيدي محيي الدين ابن عربي رضي الله تعالى عنه : " معاملتك للخلق معاملة الحق لك "
يعني أن الحق سبحانه يعاملك من جنس معاملتك لخلقه ، وقد استدل سيدي أحمد رضي الله تعالى عنه بهذه الآية (سيجزيهم وصفهم)
وجعل المجازاة في الآية عامة في الدنيا والآخرة ، لأن المحسن له الجنة في الآخرة ، وله البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، قال تعالى : (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) ، وقال تعالى : (فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم) ، والفوز العظيم في الدنيا والآخرة ، وأي فوز أعظم من التوحيد ومن مشاهدة رسول الله r ؟
قال سيدي الشيخ صالح الجعفري رضي الله تعالى عنه : وللمناسبة أذكر شيئاً من هذا فأقول والله حسبي ونعم الوكيل : مشاهدة الصحابة رضي الله تعالى عنهم لرسول الله r كانت بالبصر ، وبعد أن لحق r بالرفيق الأعلى كانت بالقلب عن سابق رؤية ، ولعامة المؤمنين إلى يوم القيامة عن سماع أوصافه r ، فارتقت الروح وصفت ووصلت إلى مشاهدة حقيقية ، فهو r مشاهد للأولين والآخرين ، ومحبوب للأولين والآخرين ، فهو r محبوب العوالم العلوية والسفلية ن وقد استدل سيدي أحمد رضي الله عنه على أن الجزاء من الله تعالى يكون وفق عمل الإنسان ، فاستدل بقوله تعالى : (جزاءاً وفاقا)
قال الشريف ابن إدريس رضي الله تعالى عنه :
" فمن كان للخلق جنة ورحمة وظلا ظليلاً يستريحون فيه كان الله له كذلك ، فمن أكرم عبداً مراعاة لسيده فإنما أكرم السيد ، ولذلك جاء في الحديث عن الله عز وجل أنه يقول للعبد يوم القيامة : " جعت فلم تطعمني ، واستسقيتك فلم تسقني ، ومرضت فلم تعدني ، فيقول العبد : كيف تجوع وأنت رب العالمين ؟ وكيف تمرض وأنت رب العالمين ؟ وكيف تستسقيني وأنت رب العالمين ؟ فيقول له سبحانه وتعالى مفسراً له ذلك : أما إنه مرض عبدي فلان فلو عدته لوجدتني عنده ، وجاع عبدي فلان أما إنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي "
قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى : " الزهد ثلاثة أوجه : اترك الحرام وهو زهد العوام ن وترك فضول الحلال وهو زهد الخواص ، والإعراض عما يشغل عن الله وهو زهد العارفين "
وقال سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى : " الزهد ثلاثة أحرف : زاي وهاء ودال ، إشارة إلى الإعراض عن زينة الدنيا وعن الهوى وعن الدعاوي "
تفسير صوفي لكلمة زاهد
:
الزهد ثلاثة أحرف كل حرف يشير إلى سبع صفات وهي :
الزاي : تشير إلى سبع صفات وهي :
زينة القلب بالحكم والمعارف
زهوق الباطل وخيالات الدنيا وما فيها (وقل جاء الحق وزهق الباطل)
(زلفى وحسن مآب) في الدنيا والآخرة
زيادة الهدى (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى) اهتدوا إلى أن الله حق ، وأن الآخرة باقية ، وأن الدنيا فانية
زوال حب الدنيا عن قلوبهم لما علموا أنها جيفة وطلابها كلاب
زجر القلب النفس عن توجهها إلى حطام الدنيا ولذاتها
زيه بزي الصالحين من أهل التقى والفلاح والدين
والهاء : تشير إلى سبع صفات وهي :
هدايته على سبل الله الموصلة إلى حظيرة قدسه
هباته الباقيات الصالحات لما زهد في الصور الفانيات
هجرته للذات لما هجر اللذات
هيمانه بحب الله عن كل شئ لاه
هيونته بعد قسوته
همه الآخرة وما فيها بعد زهده في الدنيا وما فيها
هبوطه إلى أرض التواضع (إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون)
(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا)
دعاؤه المستجاب لكونه صار من الأحباب
وللدال : سبع صفات وهي :
دلالته على الله تعالى لما غاب عن نفسه الفانية
ديدته داوم ذكر الله تعالى لأ، الدنيا تشغل من تعلق بها عن ذكر ربه سبحانه
دعواه حمد الله تعالى لما يرى غيره من المغترين المغرورين
دوام التوجه إلى الله تعالى مع التلذذ بمناجاته وتلاوة ذكره الحكيم
دنوه من حضرة التقديس بكثرة الذكر الذي هو منشور الولاية
دخوله حضرة القرب الإلهي ووقوفه عند السماع العام الذي يدرك بالأذواق ما اللحظة فيه خير من ألف عام
فهذه إحدى وعشرون من ضرب سبعة في ثلاثة بقدر عدد الواجب والجائز لله تعالى ن فمن تحقق بالصفات المتقدمة وهي الإحدى والعشرون جاز له أن يدخل حضرة القدس التي هي حضرة الله عز وجل الذي له عشرون صفة واجبة وصفة جائزة
إحدى وعشرون صفات الزهد
لمن يريد حضرة للماجد
فيكسى ثوب التقوى . وثوب القبول . وثوب الوقاية . وثوب التوفيق . وثوب الطمأنينة . وثوب السكينة . وثوب العفة . وثوب القناعة . وثوب الحلم . وثوب العلم . وثوب الهيبة . وثوب الأوبة . وثوب السلام . وثوب الإيمان . وثوب الهداية . وثوب الولاية . وثوب المشاهدة . وثوب المجاهدة . وثوب الحب . وثوب القرب . وثوب الإكبار ز وثوب الأنوار . وثوب الكمال . وثوب الوصال . وثوب التجمل . وثوب التحمل . وثوب النصر ز وثوب اليسر . وثوب حسن الخاتمة . فهذه تسعة وعشرون تضاف إلى الصفات المتقدمة وهي إحدى وعشرون فيكون المجموع خمسين صفة بعدد صفات الله تعالى الواجبة والجائزة والمستحيلة وعدد صفات الرسل عليهم الصلاة والسلام الواجبة والمستحيلة والجائزة .
وبذلك يكون قد جمع بين الشريعة والحقيقة ويكون مكملاً كمالاً إلهياً محمدياً من جميع الوجوه
ثم يرجع إلى أرض الطبع التركيبي مع مباشرة الأسباب . أو مع التجريد شيخاً معلماً . أو أستاذاً مرشداً في مقام البسط . أو في مقام القبض . أو في مقام الحب ز أو في مقام الجذب . أو في عزلة عن الناس . في جوف غار . أو رأس طود . أو على ساحل بحر . أو في وطنه . أو في غربة . أو في صحو . أو سكر . أو محو . أو فناء . أو بقاء . أو فرح . أو بكاء . أو وجد . أو شوق . أو تلذذ . أو سماع . أو سياحة . أو شعث . أو نضرة . أو فكرة . أو حضرة . أو جلوة . أو عشق . أو هيام . أو فطر . أو صيام . أو ناطقاً . أو صامتاً . أو مطرقاً . أو شاخصاً . أو بالمطاف كل عام . أو بمنى يوم الجمار . أو بعرفات مع الأخيار . أو بين المروة والصفا . أو في زيارة النبي المصطفى r . أو في المواجهة عند الروضة النبوية . أو في مشاهدة خير البرية . أو في الترقي إلى العوالم العلوية . أو في مشاهدة الحضرة الإلهية .
فهذه تسعة وأربعون إلى الخمسين المتقدمة تكون تسعة وتسعين بعدد أسماء الله الحسنى وعند ذلك ينال المقام الأسمى
أيها المريد افعل الخير مع الخلق لأجل الخالق
فتخلق أيها الأخ الكريم بذلك الخلق العظيم . أطعم الجائع . اسق الظمآن . اكس العريان عند المريض . فرج عن المكروب . اقض حوائج ذي الحاجات . وافعل الخير مع خلق الله لأجل الله تجد ربك وربهم عندهم ، فمن راعى مخلوقاً لأجل خالقه فقد راعى الخالق سبحانه
أسأل الله تعالى أن يوفقنا أجمعين إلى العمل بهذه الأقوال في جميع الأحوال حتى تكون صفاتنا كاملة مكملة من جميع الوجوه
قال صاحب العلم النفيس مولاي الشريف السيد أحمد بن إدريس رضي الله تعالى عنه
" فمن رسخ قدمه في هذا المقام صارت معاملته مع الحق جل جلاله في كل شئ فلا يراقب غير الله تعالى "
: لقد أجاد السيد وأفاد . وللجهالة قد اباد . كيف يراقب العبد . وقد جد السير ز فلا سير ولا غير ز قد اباد . كيف يراقب العبد . وقد جد السير . فلا سير ولا غير . قد فارق الحنادس . ولهو المجالس . وغاب عن الأغيار . وما غاب عن فعل الأخيار . تسوقه إلى الخير أقدامه . ويدعوه إلى الهدى إقدامه
ويقول
خدمت ربي وقفت على أقدامي
حتى رأيت ملوك العشق خدامي
لكعبة الحسن تجريدي واحرامي
يومي كعامي وكالأيام أعوامي
شاهدت حقا وقد فسرت أحلامي
نشرب في موكب العشاق أعلامي
فأين الغير ؟ وأين أنا ؟ وأين الأين ؟ وأين الحجاب والبين ؟ وشتان ما بين ناظر بالقلب وناظر العين . وهل صاحب التجلي عن الحضرة